لماذا تكثف مصر صادرات الطاقة إلى الأردن رغم نقصها محلياً؟ -- Jun 17 , 2025 119
المصدر:
الشرق
رغم ما تواجهه مصر من تحديات داخلية في قطاع الطاقة، خصوصاً خلال ذروة الطلب في أشهر الصيف، اتخذت القاهرة قراراً لافتاً بتكثيف صادراتها من الكهرباء والغاز إلى الأردن، في خضم واحدة من أكثر الفترات الإقليمية اضطراباً.
فبعد اندلاع الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران، وتأثيره على إمدادات الغاز، قررت القاهرة ضخ نحو 400 ميغاواط من الكهرباء، إلى جانب 100 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي إلى عمان، في خطوة يُرجح أن تحمل أسباباً اقتصادية وجيوسياسية تتجاوز الحسابات التجارية المباشرة.
ولفهم هذه الخطوات يجب أن نرجع إلى الجذور التي نبع منها هذا القرار، ونعرف ما إذا كانت هذه الإمدادات ستأتي على حساب السوق المحلية؟ وما الرسائل التي تحملها هذه التحركات في توقيت بالغ الحساسية إقليمياً؟
1) متى بدأ التعاون في قطاع الطاقة بين مصر والأردن؟
تتبادل مصر والأردن الطاقة الكهربائية منذ عام 1999، حيث ترتبط الشبكة الكهربائية الأردنية بالشبكة الكهربائية المصرية بكابل بحري جهد 400 كيلو فولط، يمتد عبر خليج العقبة بطول 13 كيلومتراً وباستطاعة 500 ميغاواط، ضمن مجموعة الربط الكهربائي الثماني، والذي يضم كلاً من الأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وليبيا بالإضافة إلى تركيا، وفق موقع وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية.
وفي يناير 2025، جدد الجانبان هذا الاتفاق لعام إضافي، بما يُسهم في رفع موثوقية الشبكتين وتبادل الفائض الكهربائي، خصوصاً في فترات الذروة الصيفية. وشدد وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة في كلمة له خلال حفل التوقيع على أهمية الاتفاقية في تعزيز الاعتمادية الكهربائية وتطوير البنية التحتية للطاقة بين البلدين. وأشار إلى أن التعاون بين الجانبين يمثل "نموذجاً يُحتذى به في مشاريع الربط الكهربائي الإقليمية والممتد لمدة 25 عاماً".
وجرى التأكيد حينذاك على استمرار التنسيق والعمل المشترك لتطوير مشاريع الربط الكهربائي وأهمها زيادة قدرة خط الربط الكهربائي بين البلدين، مما سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز أمن الطاقة في البلدين والمنطقة.
2) كيف أثرت حرب إسرائيل وإيران على طاقة مصر والأردن؟
يوم الجمعة الماضي -وبعد تفاقم الرشقات الصاروخية مع إيران- أمرت إسرائيل بإغلاق مؤقت في حقل "ليفياثان"، أكبر حقول الغاز لديها، مما أثار مخاوف على استقرار إمدادات الطاقة في كل من مصر والأردن. ولتقدير حجم الضرر الذي يمكن أن يسببه التوقف المؤقت في حقل ليفياثان وحده، يمكن الإشارة إلى أنه وفر نحو 2.71 مليار متر مكعب إلى الأردن، و6.29 مليار متر مكعب لمصر في عام 2023، حسب تقديرات وزارة الطاقة الإسرائيلية.
أبلغت الشركات الموردة للغاز الإسرائيلي القاهرة، بتقليل عمليات ضخ الغاز بسبب إغلاق حقل "ليفياثان"، بحسب مسؤول حكومي مصري لـ"الشرق". وتستورد مصر بشكل أساسي الغاز الطبيعي من تل أبيب منذ عام 2020، إذ تُقدَّر الكمية بنحو 800 مليون قدم مكعب يومياً. وأعلنت وزارتا الكهرباء والبترول في مصر حالة "الاستنفار والطوارئ" لمواجهة أي نقص في إمدادات الغاز، مع مراجعة سيناريوهات متعددة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء في فصل الصيف.
في المقابل، أعلنت شركة الكهرباء الوطنية في الأردن عن تفعيل خطة الطوارئ المعتمدة مسبقاً، والتي شملت وقفاً مؤقتاً لإمدادات الغاز عن المصانع المتصلة بشبكة الغاز الرئيسية، في ظل التصعيد الإقليمي الراهن وما ترتب عليه من تراجع في إمدادات الغاز الطبيعي.
وقالت الشركة في بيان أمس الإثنين أوردته وكالة الأنباء الأردنية، إن هذا الإجراء يأتي كخطوة احترازية ضمن تنفيذ أولويات توزيع الغاز المحددة في خطة الطوارئ. وأكد البيان أن هذا الإجراء مؤقت، وسيُعاد تقييمه مع تحسن الأوضاع الإقليمية واستقرار تدفقات الغاز.
3) لماذا رفعت مصر إمدادات الغاز والكهرباء إلى الأردن عقب اندلاع الحرب؟
ضاعفت مصر إمدادات الطاقة الكهربائية إلى الأردن لتسجل 400 ميغاواط يومياً خلال الأسبوع الجاري، وذلك مقابل ما يتراوح بين 100 و200 ميغاواط قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، بحسب 3 مصادر من بينهما اثنان حكوميان لـ"الشرق".
ويرتكز قرار تكثيف صادرات الطاقة المصرية إلى الأردن على شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية، حيث وقعت القاهرة اتفاقاً في ديسمبر الماضي يتيح للأردن الاستفادة من البنية التحتية المصرية في عمليات التخزين والتغويز العائم، واستقبال شحنات الغاز المسال خلال العامين 2025 و2026، بحسب بيان سابق لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية. كما بحث الجانبان إمكانية شراء سفينة تغويز مشتركة لتأمين احتياجات البلدين من الغاز المستورد.
وتنص الاتفاقية على تأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال للأردن في حالات الطوارئ حتى الانتهاء من مشروع ميناء الغاز المسال الجديد في العقبة، الذي يُتوقع أن يكتمل في الربع الرابع من 2026، وفق وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية.
وبعد توقيع الاتفاقية، قال الخرابشة، إن الهدف الرئيس من الاتفاقية هو الاستفادة من موارد البلدين بكفاءة أعلى وكلفة أقل، مؤكداً أن استخدام الباخرة العائمة سيكون حتى نهاية عام 2026، وبعدها سيتم استخدام وحدة التغويز الشاطئية التي يتم تنفيذها حالياً في العقبة. فيما قال مدير عام شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) في الأردن سفيان بطاينة، إن الاتفاق "اشتمل على شروط فنية وتجارية تضمن حقوق الطرفين وتعود عليهما بالفائدة".
وأشار إلى أنه بموجب الاتفاق يتم تزويد الجانب الأردني بالغاز الطبيعي المسال من مصر من خلال خطوط الأنابيب الممتدة بين البلدين.
وقبل نشوب الحرب بين إسرائيل وإيران، كشف مسؤول حكومي في القاهرة لـ"الشرق" طلب عدم ذكر اسمه أن مصر تستعد لطرح مناقصة جديدة لاختيار استشاري عالمي يتولى مهام رفع كفاءة خط الربط الكهربائي مع الأردن ليصل إلى 2000 ميغاواط. ويهدف ذلك المشروع إلى تنفيذ خطة لزيادة القدرة ثلاث مرات على مرحلتين، مقارنةً بالسعة الحالية البالغة 500 ميغاواط، والتي يتم تبادلها عبر كابل بحري بجهد 400 كيلوفولط تم تنفيذه عام 1999.
4) هل تنجح مصر في تعويض نقص إمدادات الغاز الإسرائيلية إلى الأردن؟
ربما يكون تعويضها بالكامل صعباً، حيث تشير بيانات موقع "statista" الإحصائي العالمي إلى أن الأردن يستورد سنوياً ما يقرب من 2.7 إلى 2.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من إسرائيل.
بالمقارنة، فقد بدأت مصر في ضخ الغاز الطبيعي إلى الأردن بواقع 100 مليون قدم مكعب يومياً، بحسب ما كشفه مسؤولان في الحكومتين المصرية والأردنية لـ"الشرق". وهذا يعني تغطية الصادرات المصرية الجديدة إلى الأردن لنحو 35% إلى 38% فقط من الإمدادات الإسرائيلية اليومية المعتادة للبلاد. وأوضح مسؤول أردني لـ"الشرق" أن استيراد الغاز من مصر سيستمر لحين عودة ضخ الغاز الإسرائيلي.
5) هل تتأثر السوق المحلية المصرية بقرار مضاعفة صادرات الطاقة إلى الأردن؟
يأتي التحرك المصري السريع، رغم معاناة البلاد من نقص إمدادات الغاز الطبيعي، مما تسبب في أزمة في الكهرباء خلال الصيف الماضي. وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى إيقاف توريد الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية من بينها الحديد، وتفعيل خطة طوارئ لمواجهة توقف الإمدادات.
وتسابق مصر الزمن لإيجاد إمدادات بديلة من الوقود لتفادي أي انقطاع في الكهرباء بعد أن أدى التصعيد في الشرق الأوسط إلى توقف تدفقات الغاز من إسرائيل. وتستعد الحكومة لطرح مناقصة هذا الشهر لاستيراد ما يصل إلى مليون طن من زيت الوقود، بهدف الاستلام في أغسطس. ويأتي ذلك بعد مناقصة مماثلة طرحتها البلاد مؤخراً للمساعدة في تلبية احتياجات توليد الكهرباء، وفق بلومبرغ.
لكن انقطاع الغاز الإسرائيلي لفترة ممتدة يهدد بتعطيل توليد الكهرباء في البلاد. وبدأت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطة لتجنب نقص الوقود الذي شهدته البلاد خلال فصول الصيف السابقة، حين أدت قفزة في الطلب إلى قطع الكهرباء بهدف تخفيف الأحمال على مستوى البلاد ما أثار استياءً شعبياً واسعاً في بلد يعاني بالفعل بسبب التضخم المرتفع.
وفي مؤتمر صحفي مذاع تلفزيونياً يوم السبت الماضي، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "لا يوجد تخفيف أحمال هذا الصيف وتعمل الدولة على هذا التعهد؛ ولكن ما حدث من مواجهة بين إسرائيل وإيران كان له تداعيات مباشرة على جزء كبير من إمدادات الغاز التي تأتي لمصر، وتسهم في توفير الوقود لمحطات الكهرباء".